سقوط غرناطةأوصد المسلمون أبواب غرناطة واحتموا بأسوارها في يأس وقلق وهم يرون شبح
النهاية ماثلاً أمام عيونهم، وكان قد مضى على الحصار حوالي سبعة أشهر وهم
يغالبون الأهوال، وقد جاءت آخر معاركهم لتبدد الأمل في الخلاص والنصر،
واشتد الجوع والمرض والحرمان.
ويذكر كثير من المؤرخين أنه لم يكن هناك بد من التسليم فالمقاومة كانت
نوعاً من العبث والصمود كان لوناً من الجنون، حيث لم يبق من الأندلس سوى
غرناطة، وهي مجرد مدينة تسبح في بحر من النصارى الحاقدين الكارهين للوجود
الإسلامي فكأن المدينة الباسلة كانت تسير إلى نهايتها المحتومة منذ أن بدأ
سقوط شمال الأندلس في بداية القرن السادس الهجري، ولم تكن المسألة إلا مجرد
وقت.
وقد اتفق الجميع في غرناطة على التسليم إلا صوتاً واحداً ارتفع
بالاعتراض على القرار وحاول أن يبعث بكلماته الملتهبة الحماسة في النفوس،
وكان صاحبه هو موسى بن أبي الغسان الذي رددت أرجاء غرناطة كلماته الملتهبة:
"لنقاتل العدو حتى آخر نسمة، وإنه خير لي أن أحصى بين الذين ماتوا دفاعاً
عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها".
أرسل إلى فرديناند قائلاً له 'إذا أردت أسلحة المسلمين فلتأت لأخذها بنفسك
ولكن الأحداث كانت أكبر من كل الكلمات، والحصار كان سيد الموقف، وهكذا ضاعت صيحة ابن أبى الغسان في الفضاء.
ومن الإنصاف القول بأن ملك غرناطة أبا عبد الله الصغير لم يقصر في
الدفاع عن ملكه وأمته ودينه رغم أن بعض الأقلام تلوك سيرته متهمة إياه
بالتفريط والاستسلام وضياع الأندلس، دون أن تضع في الاعتبار أنه كان مجرد
حلقة في سلسلة طويلة من الصراع بين المسلمين والنصارى، ودون النظر أيضاً
إلى ما اعترى الزعماء والقادة حوله من ضعف وجنوح إلى المساومة والأطماع
والمآرب الخاصة، ورغبة العامة من ناحية أخرى في فك الحصار والخلاص من الجوع
والمرض، فكان الصمود في حكم المستحيل، والتسليم هو الحل الذي يلوح في
الأفق، ولم يتبق من الأمر إلا التوقيع على وثيقة تسليم غرناطة، وتم ذلك في
21 المحرم 897ه-
25 نوفمبر 1491م.